الكون - وسط مابين النجوم |
|
ليس كما نتخيل أن الفضاء الشاسع عبارة عن فراغ يخلو من المادة، بل على العكس هذه المسافات الشاسعة تحتوي على مكونات من الغازات والغبار الكوني وإن إختلفت درجات كثافة تلك المواد او الغازات من منطقة لاخري، ولكن يظل أن هناك شئ ما يشغل ذلك الفراغ، وقد تطورت العلوم وطرق الرصد خلال القرن العشرون وأصبح بإمكاننا مسح مناطق كبيرة في الفضاء بين النجوم، وقد صورت هذه المناطق وعدلت الوانها طبقا لمكوناتها، حيث أصبح الان وبإستخدام التكنولوجيا معرفة مكونات السحب المنتشرة بين النجوم.
فبعد أن بدأ الانفجار الكبير القى المواد والغازات في كل مكان وحتى بعد ذلك عندما ينفجر نجم ما، حينذاك تنطلق الغازات وتنتشر مع الغبار في جميع المناطق المحيطة بذلك النجم، إذا فعملية ملئ الفراغ مستمرة وفي تجدد مستمر، ويمكن تعريف هذه المناطق ومكوناتها بانها الماده التي تملأ الفراغ الذي بين النجوم، وهي ماده ذات كثافة ضعيفة جدا و تتكون في 99% منها من الغاز والبقية عبارة عن الغبار النجمي، وقد أطلق عليها الفلكيون اسم ماده ما بين النجوم أو وسط ما بين النجوم Interstellar Medium.
فهذا الفراغ الشاسع بين النجوم يحتوي على العديد من المكونات فنجد فيه غازات أولية نشأت عن التركيب النووي إثر الانفجار الكبير أو عن بقايا النجوم، وهناك أيضا العناصر الثقيلة والتي نتجت عن الانفجارات النجمية التي تتجمع على شكل ذرات من الغبار.
تجمع الغازات
تتجمع الغازات بين النجوم مشكلة سحب غازية تشغل مساحات شاسعة تمتد لعدة سنوات ضوئية مع كثافة ضعيفة جداً تبلغ ذرة واحدة لكل سم3، ويمثل غاز الهيدروجين 75% حيث أن هذا الغاز هو الاساس في تكون الكون، والنسبة المتبقية تتكون في معظمها من غاز الهليوم، وهذا الغاز عباره عن غازات ذرية من ذرات الغاز، وغازات جزيئية من جزيئات الغاز، وقد تكون سحب الغاز تلك بارده، وأيضا تتواجد جسيمات مشحونه مثل الالكترونات.
وتنقسم هذه الغازات إلى مجموعتين رئيستين هما السحب الباردة والسحب الحارة:-
السحب الباردة
وتتكون من نوعين من الغازات، ذري وغازي.
السحب الحارة
وهي سحب تحتوي علي أيونات والكترونات حره، وتتواجد بالقرب من النجوم حديثه التكوين، وتنقسم إلى نوعين.
وبشكل عام فإن غازات ما بين النجوم لها تقسيم شائع في الاوساط الفلكية وهو:
مناطق HП وهي مناطق السدم الساخنة المتأينة
تحتوي هذه المناطق على النجوم الزرقاء التي هي حارة جداً في طبيعتها، وتمد هذه النجوم الغازات بالطاقة اللازمة لتأين الهيدروجين على شكل فوتونات من الأشعة فوق البنفسجية، وتستفيد ذرة الهيدروجين في إستخدام تلك الطاقة الكافية وتحرر إلكترونها، ومن ثم تدخل هذه الإلكترونات باصطدامات مع ذرات غاز السحابة مما يجعلها تخسر طاقتها، فيؤدي ذلك إلى رفع درجة حرارة الوسط المحيط إلى درجات عالية تبلغ حوالي 10,000 درجة مئوية، ومع ازدياد عملية الاصطدامات يفقد الإلكترون سرعته مما يجعله سهلا للأسر ثانيا من نوى الهيدروجين، حينذاك تصدر إشعاعات مرئية على شكل فوتونات، وآلية إطلاق هذه الفوتونات هي التي تجعل هذه المناطق تحافظ على درجة حرارة مستقرة تقريباً.
مناطق HІ وهي مناطق الهيدروجين الحيادي غير المتأين
وهي مناطق تحوي هيدروجين حيادي غير متأين، وتتسم هذه المناطق بدرجات حرارة متدنية لا تزيد عن 100 درجة مطلقة، ولا يمكن كشف هذه المناطق عبر الإشعاع الصادر في المجال المرئي (فبسبب البرودة القصوى فإن الإشعاع الصادر يعتبر مهملاً) ولا في مجال الأشعة تحت الحمراء (لأنه موجود في المجال الذي يمتصه الغلاف الجوي الأرضي)، لكن هذه المناطق تصدر إشعاعات طويلة في المجال الراديوي للطيف بطول موجة 21 سم، كما يمكن كشفها أيضاً بواسطة حزم الامتصاص التي تتراكب أحياناً مع أطياف إصدار النجوم القريبة، والقياس الوسطي لمثل هذه السدم هو 20 سنة ضوئية، أما الكتلة فتقارب 45 مرة كتلة الشمس، أي أنها أكثف بحوالي 1,000 مرة من مناطق HП.
السدم الجزيئية
يمكن رصد هذه الجزيئات التي بين النجوم من خلال الأمواج الراديوية والأمواج فوق البنفسجية، وقد اكتشفت جذور كيميائية حرة وعناصر أخرى معقدة مثل الأمونياك والكحول الإيتيلي وجزيئات اخري من العناصر متعددة الذرة حتى 13 ذرة، لذلك لا يستبعد العلماء وجود أحماض أمينية في بعض الجزر الكونية التي تحوي مركبات عضوية معقدة.
ويقدر العلماء عمر الجزيئات التي بين النجوم بين 10 و 100,000 سنة، لذلك يعتبرونها ذات عمر قصير وسريعة التحلل، ويمكن تفسير ذلك انه في حالة السدم ذات الكثافة الضعيفة حيث يمكن أن تنفذ الإشعاعات فوق البنفسجية بسهولة فإن ظاهرة التأين والتفريق الضوئيين للجزيئات يمكن أن تكون سريعة بما فيه الكفاية، أما في حالة النجوم الأكثر كثافة، فإن التفاعلات الكيميائية المرتبطة بالاصطدامات هي العوامل التي تؤثر وتكون الأكثر فعالية في تفتيت الجزيئات، ولذلك فإن تخريب الجزيئات يتم بأزمنة أقصر من العمر النموذجي للسديم الجزيئي الذي يزيد عن 10,000 سنة، وهذا يعني أن تشكل الجزيئات هو عملية مستمرة، لكن هذا التشكل لا يتم بفضل الاصطدامات (لأن الكثافة ودرجة الحرارة منخفضة) بل بفضل الأشعة الكونية والأشعة الفوق بنفسجية، وبالرغم من أن جزيئة الهيدروجين H2 هي أكثر الجزيئات انتشاراً في المقياس الكوني (حوالي 90%) فليس لهذه الجزيئة انتقالات طاقية يمكن كشفها بسهولة، لذلك فإنها تكشف بواسطة الإشعاعات الراديوية التي تطلقها جزيئة مرافقة لجزيئة الهيدروجين هي جزيئة أول أكسيد الكربون، وفي الواقع هذه الجزيئة هي التي تستخدم لكشف السدم البينجمية في الوسط البينجمي، وهذا له فوائد كبيرة في كشف السدم وفي رسم شكل مجرتنا من خلال تتبع وجود هذه الجزيئات في الأذرع الحلزونية خصوصاً.
وقد تم اكتشاف وجود مناطق داخل الغيوم الجزيئية ذات كثافة أعلى من مناطق أخرى، وهذا ما يحمل على الاعتقاد بأن هذه المناطق هي الأماكن الأكثر ملائمة لتشكل النجوم الجديدة إثر آلية تحمل هذه الغيوم الممتدة على مسافات شاسعة إلى التجمع والانضغاط، فقد يصل قطر بعضها إلى حوالي 600 سنة ضوئية، ومن خلال دراسة التركيب الفيزيائي لهذه السدم تمكن الفلكيون من عزل طريقتين يمكن أن تكونا الآليتين اللتين تسببان تشكل النجوم في غيمة جزيئية، تنجم الآلية الأولى عن مرور الغيوم الجزيئية لأذرع المجرة مما يسبب صدمة تضغط الحجم وتزيد الكثافة، وتتكرر هذه العملية كل مرة تعبر فيها الغيمة أحد الأذرع إلى أن تحصل الصدمة النهائية التي تصل بالغيمة إلى اللحظة التي تنهار فيها ثقالياً وتتشكل النجوم نتيجة لذلك، وتفسر هذه الآلية وجود النجوم الفتية في الأذرع الحلزونية للمجرات الشبيهة بمجرتنا.
الآلية الثانية تعزى إلى انفجارات السوبر نوفا، فعندما ينفجر نجم بجوار سديم جزيئي يحرر هذا الانفجار كمية هائلة من الطاقة تتظاهر على شكل موجة صدم هائلة تغلف السديم وتضغطه مسببة انهياره ثقالياً وبالتالي تشكل نجم جديد، وبما أن معظم انفجارات السوبر نوفا تحصل في الأذرع الحلزونية فإن هذه الآلية تفسر وجود النجوم الفتية في هذه الأماكن من المجرة.
تتراوح كتل السحب الجزيئية بين 1,000 و 60,000 مرة كتلة الشمس، لذا فإنها وأثناء انهيارها الثقالي تتجزأ إلى مجموعات مما يؤدي إلى ولادة مجموعات من النجوم بآن واحد، والنجوم المتعددة تشكل حوالي ثلثي نجوم المجرة.
|
|||||||||||||
alnomrosi.net 2005-2006 حقوق النشر متاحة للجميع بشرط ذكر المصدر |